Untitled Document
 
العودة   منتديات لغاتى التعليمية > ~¤¦¦§¦¦¤~منتديات اللغات~¤¦¦§¦¦¤~ > منتدى اللغة العربية > القسم الأدبى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-25-2016, 07:49 PM   #1
قحطان الخطيب
لغاتى
 
تاريخ التسجيل: May 2016
الدولة: Iraq
المشاركات: 68
معدل تقييم المستوى: 9
قحطان الخطيب will become famous soon enough
افتراضي قصة قصيرة (3)

(3) العروس المنكوبة
بقلم: قحطـان فؤاد الخطيب / العراق

قال لها "احبك ".

فأجابته "إنني أعبدك."

وعاشا بعدها أياماً مفعمة بالحب والنشوة والغرام ، قريبين من الأنظار حيناً وبعيدين عنها أحياناً ، كأنهما يضعان اللمسات الأخيرة وراء الكواليس على مشروع قبلا به . ثم مضت إليه تصارحه بضرورة خطبتها ، لأنها تعيش في وسط لا يسمح بتكوين علاقات اجتماعية ضبابية في وضح النهار !

لم يتردد في خطبتها . وأوحى لها بأن علاقتهما هي أكبر من أن تكون علاقات سطحية أو مشبوهة بلا هدف أو حبراً على ورق ، مما ازدادت به تعلقاً والتصاقاً جعلها تمنحه بسخاء أكثر مما طلب !

وفي البداية رفض أهلها طلبه ، زارعين في طريقه أكثر من شوكة ، زاعمين بأنها لم تكمل دراستها الإعدادية بعد ، تارة ، وان الاثنين اصغر من أن يتزوجان تارة أخرى.

لم تتخل الفتاة عنه قط ، فكانت تضحي بكل شيء لأجله ولأجل الغد الذي سيجمعهما تحت سقف واحد . وكانت تردد عبارتها المتكررة : (هو أو لا) ، في حين كان يبادلها عبارات أكثر فخامة ، وأكثر بلاغة وتأثيراً وسحراً مما تركها تسرح في أوهام وأحلام لم تألفها من قبل مؤكداً لها وبكل جوارحه عبارته التقليدية المتكررة : (هي أو لا !(

ومضى دولاب الحياة يدور دوراناً رتيباً كما ألفناه، بلا توقف ولا رحمة ، غير آبه بالعصافير وزقزقتها والبلابل وشجيها ، فيما الطيور والحمام والبراءة كلها لا تعني شيئاً لهذا الدولاب .

(ألا ما أقسا الدهر !)..... هكذا كانا يتحدثان متى ما التقيا وكأن الحياة هي طيور وعصافير لا غير !
مضت إليه وقد تطرفت في تعلقها وتشبثها به …..مضت إليه خلسة وفي العلن وقد أذابها الأرق وأنهكها التفكير وأدمع عينيها القلق والمجهول . وأحالت لآت أهلها ابتسامتها العذبة إلى وجوم يدير الأعناق. نعم…. مضت إليه وهي تنشد فيه المستحيل . فقد افلح في أداء الأدوار الدرامية من دون مخرج أو بروفات . فكان صديقها وجارها وخطيبها و .... و ... في آن واحد ! وكانت تعزي نفسها دائماً بإثارة هذا الكلام (هكذا يكون الإنسان النموذج وإلا فلا) !

وفي كل زيارة مسموح بها أو غير مسموح بها كانت تعود وقد طفحت بالشحنات والوعود العسلية . وأخيرا أعادت الكرة ثانية بصورة غير مباشرة على أهلها مستعينة ببنات الجيران وبعض أمهاتهن ولفيف من الأقارب ، ذوي التأثير المباشر، حيث كانت الحبكة هذه المرة ناجعة ، مما أذاب الجليد واجبر التيار المتصلب في الأسرة على قبول التماسات الجيران والأقارب . أي بمعنى آخر خضعوا للرضوخ . بيد أن الكلمة الأولى والأخيرة تبقى بيد الأب المتعصب الذي حشد الكل جهودهم دفعة واحدة لإقناعه بجدوى هذا الزواج الميمون من العريس اللقطة !
وقبل أن تتلمس عروس المستقبل الموافقة النهائية ، حيث كان الجدل محتدما وميالا إلى الموافقة ، هرعت يرفان ، ذات الـ 19 ربيعاً ، من دون علم أحد إلى عريس المستقبل المتيم حيث قالت له:

" بشراك يا حبيب العمر . لقد بذلت المستحيل في التعبئة لإقناع أهلي بأنك فتى أحلامي الأول والأخير . وأكاد اسلم بأن الضوء الأخضر أنير في نهاية النفق . هذا ما باحت به لي ابنة عمي قبل دقائق باحتمال حصول الموافقة . ولهذا جئتك طافحة بالأمل أزف لك هذه البشرى .

" تمتم وقد صعقته سرعة تدبيراتها الموفقة ثم قال بصوت خافت : " ولم العجلة ؟ أعني لم لا تنهي دراستك الإعدادية وأنا انهي سنتي الجامعية الأخيرة ؟

" قالت : " وهذا لا يعني أنك لا تستطيع خطبتي الآن . أنت تعرف أن كل شيء على ما يرام حتى هذه اللحظة .

" أجاب ببرود قاتل : " ولكن الأفضل أن ننتظر ، يا يرفان !
- " ألا تعلم أنني بذلت المستحيل محاولة إقناع أهلي المتعصبين بأنك الإنسان الذي يروق لهم ويرضي كبرياءهم ؟ أنت تعلم كم طلباً رفضت لحد الآن ؟"

أجابها كمن مسه الجنون وفقد الكياسة في الكلام " كان الأجدر بك أن لا ترفضي . "

وهنا أرخت العنان لدموعها كي تنساب بحرارة . وارتبكت نبرات صوتها واختنقت أنفاسها . وأخذت تحرك يديها بعشوائية وارتباك. وقالت بصوت مقطع الأوصال، مطرز بالندم:

" أهكذا تتوج تضحيتي وحبي لك، يا (دون جوان آخر زمان) ! ؟ "

" اهدئي قليلاً."

هنا ، استنفرت كل طاقاتها في جملة واحدة مفادها:

" أنت تتسلى ببنات الناس ، أيها الوغد !"

أجابها إجابة البلهاء الصبيان الطائشين وكأنه يتشفى بها ،

" إذا راق ذلك لهن ."

" ماذا تقول ؟ ماذا تقول أيها الوقح ؟ ماذا .... ؟"
" أقول ، إن ما عشناه يجب أن يبقى مجرد ذكرى لذيذة ، ليس غير!

قاطعته وهي تهز رأسها بندم ، وتمسح عينيها بيديها المرتجفتين وهي تقول :

" لنفترق ... عرفت كل شيء . انتهى كل شيء !"

وأقفلت راجعة لبيتها وهي تضرب أخماساً بأسداس ، مدركة بأنها فرطت في (كل شيء) . فرطت في حبها ، في شخصيتها ، في أنوثتها ، في كبريائها ، في أسرار وجودها ، في العطاء ... العطاء دون حساب .

لقد كانت ابنة عمها في انتظارها على الباب لتزف لها بشرى موافقة الأب على زواجها . كما سمعت أصوات الزغاريد التي شقت عنان السماء من فرط الانشراح على بعد بضعة أمتار . وما أن رأت ابنة عمها حتى علت الزغاريد ، ودخلت يرفان الدار والكل يهنئونها ويتطلعون إلى عروس المستقبل التي كان مظهرها يوحي بالدوار . لقد شعرت بأكثر من الدوار. لقد خرت على الأرض صريعة وأطبقت شفتاها وساد الصمت فيما سكبت إحدى الواقفات الماء عليها لعلها تتحرك . لكن يرفان سكتت إلى الأبد . لقد طاوعها قلبها المرهف بالحس طيلة فترة العلاقة مع الخطيب الوهمي في التوقف أيضاً . قالت إحدى المزغردات : " انه دلع البنات ، وان وقع الموافقة على الزواج كان فوق مستوى إدراكها . " دافعت الأم عن ابنتها قائلة " إن يرفان تعرف بحصول الموافقة . لكن عمتها قالت : " إنها الفرحة الكبرى ليس غير . " لكن يرفان سكتت والى الأبد دون شاهد على سكوتها الأبدي . لقد سكتت في وسط الأفراح والأغاني والأهازيج . سكتت ولم تشر بإصبع اتهام لأحد . نعم لقد سكتت الطالبة ... الأنثى إلى الأبد !

وأرخى الليل سدوله وانقلبت الأفراح إلى أتراح . وكل يصبر كلاً بأننا سنؤول إلى ذات المصير عاجلا أم آجلا مرددين بحسرة ولوعة ومرارة :
(إن لله وإنا إليه راجعون) .

بيد أن المجرم الحقيقي بقي بعيداً عن مسرح جريمته . لا ... بل راح من راح لمواساته وتعزيته وإسداء النصح إليه بالصبر وثبات الهمة .على أنه يجيد أدوار التمثيل الصامت والمتحرك على حد سواء , مما سهل عليه استدرار دموع الآخرين وابتياع عطفهم بتأوهاته المصطنعة وشروده المفتعل . لكن يرفان ماتت بصمت وسرية . ماتت وعلى وجهها علامات استفهام كبيرة كأنها تقول :

" لماذا يتغير الإنسان عندما يبلغ غايته ؟ ولماذا لا يلتزم هذا المخلوق بما قطعه على نفسه من وعود ؟ أسئلة وأسئلة ارتسمت على وجهها المعبر . لكن الجاني الحقيقي ضل غائباً عن الأذهان . ولا أحد يعرف من هو .

وفي الصباح التالي ، شيعت العروس المنكوبة إلى مثواها الأخير . ونعت بعض المشيعين يرفان بالعروس الشهيدة ، فيما نعتها آخرون بالضحية والبريئة وهكذا. ولكن ، يبقى الجاني في منأى عن المساءلة ، لأنه لا أحد يعرف بكنه التفاصيل سوى الموت الذي اختطف هذه المسكينة في عنفوان شبابها . وحتى القضاء ، مهما كان معمقا في تحقيقاته ،ً يتساوى مع البسطاء لغياب الدليل . ولو كان شكسبير حياً بيننا لتألم لهذه النهاية البشعة من طرف واحد على النقيض من موت روميو الذي سبق جولييت إلى مصيره المحتوم بكامل وعيه وإرادته !
















قحطان الخطيب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:16 AM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
:: جميع الحقوق محفوظة لمنتديات لغاتى التعليمية ::