اهمية اللغة العربية

[y20002000]

من الأمور التي أصبحت من البديهيات في هذا العصر أن معرفة أكثر من لغة إنما يعتبربمثابة الحواس الإضافية,أو هي وظيفة أساسية من وظائف الحواس الأصلية,وان الذي يحرم من ذلك فقد حُرم الكثير من المعارف والأفكار والثقافات والعقائد البشريةوالتي أصبح لا مفر للإنسان من الإطلاع عليها والتعامل معها بشكل أو بآخر وتحديد موقعه منها بشكل دقيق,وقد لا يكون هذا الموضوع من الأهمية بالنسبة للجيل الماضيكما هوعليه الآنلأن العالم بثقافاته وأفكاره ومعارفه وعقائده أصبح وكأنه قرية واحدة بعد أن أختصر الزمان وانتقص المكانوأصبح الإنسان يرى العالم ويستمع إليه من مكانه أو من وراء مكتبهمن خلال ما قدمته المدنية الحديثةمن وسائل إعلام مرئية أومسموعة أو مقروءةأو من خلال وسائل النقل المتقدمة وأدوات الاتصال التي تفوق التصور.
ويمكننا القول: إن الذي يرضى لنفسه أن يعيش بعيداً عن إدراك الصورة العالمية للحياة ومعرفة التعامل معها فقد أخرج نفسه من صورة الحياةوقبل أن يعيش على هوامشها في عالمه الصغير الذي قد يراه كل شيءوعطّل ملكة التعلم التي وهبه الله إياها وأمره بتسخيرها واستخدامهاوقبل لنفسه أيضاً أن يكون أحد أفراد جماعة الصم البكم..
إن القرآن الكريم قدم للمسلمين صورة واضحة عن واقع العادات والعبادات والعقائد التي كانت سائدة في إطار الأديان السابقة والوثنيين في عصر التنزيلليتمكن المسلم من معرفتهاومن ثم تحديد وسائله للتعامل معها,وهذا يشكل منهجاً لابد من التزامه في العمل الإسلامي والدعوة إلى اللهورؤية قرآنية لابد من تعديتها وحسن التعامل معها،وإلاّ كيف يمكن للإنسان المسلم أن يوصل خطاب التكليف إلى البشرية جمعاءوهو على جهل بلسانهم يعقبه جهل بعاداتهم وعباداتهم وعقائدهم!.
إن معرفة لسان الأقوام الآخرينكنافذة على حياتهموكوسيلة للتعامل معهمأصبح ضرورة تقتضيها ظروف الحالخاصة وأن علوم ووسائل المدنية الحديثة تكاد أن تكون حكراً على هذه اللغات الآن,والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.. فتعلم اللغات يشكل ضرورة لخطاب القومويشكل حاجة للتعرف على وسائل المدنية الحديثة التي غمرت حياتنا بخيرها وشرهاولابد من فهمها وحسن التعامل معها.
إن الدعوة لتعلم لغة العقيدة والتعرف عليها من خلال لسانها لايعني إلغاء الترجمة وبيان الإسلام باللغات الأخرىولا التقليل من قيمة هذه الجهود المشكورة التي أضاءت الطريق لكثيرين أوصلتهم بالإسلام ولا تزال..,ولا أن نتخذ موقفاً معادياً لهاوإنما نقول:أن العربية هي الوسيلة الوحيدة في نهاية المطاف لفهم الإسلام.
ويمكن أن نلمح ذلك من أن الإسلام لم يقم وزناً لقضية الأجناس والألوان والأموالحسبها أنها فوارق قسريةليس من المقبول عقلاً أن تكون ميزان تميز وتفاضل,ولوكان ذلك كذلك لكان الظلم بعينه وكانت وسيلة للصراع والاقتتال,ومن هنا أيضاً نلمح البدائية العجيبة عند الذين كانت القوميات والعصبيات والعنصريات والألوان والنزعات العرقية مناط دعوتهموهدف حركتهم.. وعلى الرغم من أن الإسلام لم يقم وزناً لهذه الفوارق القسرية كلها إلا أنه لم يتنازل عن قضية العربية لأنها الوسيلة المتكاملة لفهم الإسلام ولأن اللغات الأخرى مكتسبة وتعليميةولابد من صياغة الأمة الواحدة وتشكيل أوعية متجانسة للعقيدة الواحدة التي تحفظ روح الأمة وتعبر عن إرادتها.. ولذلك نرى التطبيق العملي لهذا في حياة المسلمين من غير العربحيث لم يعتبر أحدهم ان بإمكانه الاستغناء عن العربية والاقتصار على ما يفهم من الإسلام بلغتهأو من أبناء جنسه الذين أسلموا وتعلموا العربيةبل كانت العربية غاية مناه ووسيلة فهمه لإسلامه وعقيدتهفكان منهم مؤلفون وعلماء ومفسرون ومؤرخون وأصوليونأدركوا من مدلولات الخطاب ما أدركه العرب أنفسهمبل وصلوا إلى مرتبة عالية في اللغة والفقه والتفسير والحديث وما إلى ذلك من العلوم التي لا تتوفر إلا لمن أتقن العربية وعلومها..