ماهوالتلمـــــــود (הַתַּלְמוּד)

[محمدالفريدي]

التلمـــــــود (הַתַּלְמוּד)التلمود هو أحد كتب اليهود الدينية ، وهو عبارة عن موسوعة تتضمن الدين والشريعة والتأملات الغيبية والتاريخ والآداب والعلوم الطبيعية . كما يتضمن علاوة على ذلك فصولاً فى الزراعة وفلاحة البساتين والصناعة والمهن والتجارة والربا والضرائب وقوانين الملكية والرق والميراث وأسرار الأعداد والفلك والتنجيم والقصص الشعبى ، بل أنه ليغطى جوانب الحياة الخاصة لليهودى ، إذ يتناول فى جملة ما يتناول كل دقائق إعداد الطعام وتناوله والعلاقات الخاصة بين الرجل وزوجته والطمث - وحتى الدعوات التى يقولـها الانسان بعد الذهاب إلى دورة المياه ، أى أنه لايدع للفرد اليهودى حرية الاختيار فى أى وجه من وجوه النشاط فى حياته العامة والخاصة .

‏وقد بـدأ تدوين التلمود مع بداية العصر المسيحى ، واستغرق تأليفه مايقرب من خمـسمائة عام . ويوجد تلمودان وهما : التلمود البابلى ، والتلمود الفلسطينى (الأورشاليمى) ، وكلاهما مكون من "מִשְׁנָה - المشنا" و"גְּמָרָא - الجمارا" . ووجه الاختلاف بينهما فى الجمارا وليس فى المشنا لأنها واحدة فى الاثنين . أما الجمارا فاثنتان احداهما فى فلسطين والأخرى فى بابل ، وحيث أن الجمارا البابلية أكمل وأشـمل من الجـمارا الفلسطينية فإننا نجد أن التلمود البابلى هو الأكثر تداولاً وهو الكتاب القياسى عند اليهود .
وتبلغ أقسام المشنا ستة أقسام "סְדָרִים" ، وهى الأقسام الأساسية للتلمـود باعتبار أن الجمارا تعليق على المشنا وشرح لـها . ويبلغ عدد صفحات التلمود ( مشنا وجمارا ) حوالى ستة ألاف صفحة فى كل منها 400 كلمة .

‏والتلمود هو أول محاولة من جانب حاخامات اليهود لتفسير العهد القديم بـما يتناسب مع وضع اليهود الجديد كأقليات تجارية متناثرة فى العالـم وليس كشعب مستقر فى أرضه . ولكن التلمود هو أيضًا تعبير عن محاولة اليهودية الحاخامية التلمودية السيطرة على جماهير اليهود وعزلـهم عن بقية الشعوب ، خاصة بعد ظهور المسيحية التى اتخذت من العهد القديم كتابًا مقدسًا وأكـملته وعدلته بالعـهد الجديد . وهذه الانعزالية مسألة منطقية فى الـمجتمعات الإقطاعية التى كانت تشجع الفصل بين الطبقات والجماعات الدينية ، وهى انعزالية كانت تأخذ فى الغالب شكل التعالى على الناس . وتسرى هذه النزعة الانعزالية الـمتعالية بحدة فى معظم صفحات التلـمود . وقد كان التلمود يستخدم أساسًا للتربية اليهودية فكان الدارسون اليهود يستذكرونه لـمدة سبع ساعات يوميًا طوال سبع سنوات . وقد نجح التلمود فى ضرب العزلة الوجدانية والروحية والعقلية على اليهود حتى أن أحد الشعراء الألمان أسـماه وطن اليهود الـمتنقل . ومما زاد من حدة هذه الانعزالية تلك القداسة التى تحيط بالتلمود ، فعلى الرغم من أنه مجرد "تفسير" للمقرا ، فإنه مثل كل كتب الشروح اليهودية يكتسب قداسة معينة ، خاصة وأن أسطورة الشريعة الشفوية سيطرت على الوجدان اليهودى سيطرة تامة بعد ظهور المسيحية ، فكان ينظر للتلمود فى بداية الأمر على أنه يأتى فى المرتبة الثانية بعد التوراة ولكنه بعد حين أصبح يلقب بالتوراة الشفوية ، أى صار مساويًا لتوراة موسى فى المرتبة ، ولـم يعد فى وسع أى يهودى مخالفته ، ثم أخذت درجة قداسته فى الازدياد والاتساع حتى أصبح أكثر قداسة من التوراة ذاتها .