Untitled Document
 
العودة   منتديات لغاتى التعليمية > ~¤¦¦§¦¦¤~منتديات اللغات~¤¦¦§¦¦¤~ > منتدى اللغة العربية > قسم الأقوال والحكم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-22-2009, 03:56 AM   #1
ahmed_mido
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
الدولة: ام الدنيا
العمر: 38
المشاركات: 905
معدل تقييم المستوى: 18
ahmed_mido will become famous soon enoughahmed_mido will become famous soon enough
إرسال رسالة عبر MSN إلى ahmed_mido إرسال رسالة عبر Yahoo إلى ahmed_mido إرسال رسالة عبر Skype إلى ahmed_mido
افتراضي تابع روائع مصطفى الرافعى (الصغيران)

" في تلك الساعة كانت الأرض قد عربت إلا من أواخر الناس، وطوارق الليل، وبقية من يقظة النهار تحبو في الطريق ذاهبة إلي مضاجعها، فبينما أمد عيني، وأديرهما في مفتتح الطريق ومنقطعة إذ انتقضت انتقاضه الذعر، ووثبت رجة القلب بجسمي كله كما ثبت اللسعة بملسوعها، ذلك حين أبصرت الطفلين.

صغيران ضلا عن أهلهما في هذا الليل يمشيان علي حيد الطريق في ذله وانكسار وتحسب أقدامهما من البطء والتخاذل لا تمشي، بل تتزحزح قليلا قليلا فكأنهما واقفان أكبرهما طفلة تعد عمرها عن خمس أصابعها والآخر طفل يبلغ ثلاث سنوات ينحدران في أمواج الليل وقد نزل بهما من الهم في البحث عن بيتهما ما ينزل مثله بمن تطوح به الأقدار إذا ركب البحر المظلم ليكشف عن أرض جديدة.

تتبين الخوف في عيونهما الصغيرة، وتراه يفيض منهما علي ما حولهما حتى ليحسب كلاهما أن المنازل عن يمينه وشماله أطفال مذعورة.

ويتلفتان كما تتلفت الشاة الضالة عن قطعيها، لا يتحرك في دمها بالغريزة إلا خوف الذئب ويستحبان معا وراء الأشعة المنبثقة في الطرق كأن أضواء المصابيح هي طريق قلبيهما الصغيرين.

منقطعان في ظلام الليل، وليس علي الأرض أهنأ من ليل الطفل النائم، فهل يكون فيها أشقي من ليل الطفل الضائع ؟ نامت أحلامهما، واستيقظت أعينهما للحقائق المظلمة الفظيعة، وضاعا من البيت ويحسبان أن البيت هو الضائع منهما.

طفلان في وزن مثقالين من الإنسانية، ولكنهما يحملان وزن قناطير من الرعب"

يا من لا إله إلا هو من سواك لهاتين النملتين في جنح هذا الليل الذي يشبه نقطة من غضبك ؟ لقد أخرجنهما في هذا الضياع مخرج أصغر موعظة للعين تنبه أكبر حقيقة في القلب وعرضت منهما للإنسانية صورة لو وفق مخلوق عبقري فرسمها لجذب إليها كل أحزان النفس، صورة الحب يمشي متساندا إلي صدر الرحمة في طريق المصادفة المجهولة من أوله إلي آخره، وعليها ذل اليتم من الأهل ، ومسكنة الضياع بين الناس ، وظلام الطبيعة وكآبتها.

رأيت الطفلة وقد تنبهت فيها لأخيها الصغير غريزة أم كاملة فهي تشد علي يده بيدها معا . كأنها مذ علمت أنها ضائعة تحاول أن تطمئن أخاها إلي أنه معها ولن يضيع وهو معها - فيا لرحمة الله .

وقد أسندت منكبه إلي صدرها وهي تمشي، فلا أدري إن كان ذلك لتحمل عنة بعض تعبه فلا يتساقط، أو ليكون بها أكبر من جسمه الضئيل فلا يخاف أو لأنها حين لم تستطع أن تفهمه ما في قلبها بلغة اللسان أفاضته علي جسمه بلغة اللمس، أو لا هذا و لا ذاك، إنما هي تستمد من رجولته الصغيرة حماية لأنوثتها بوحي الطبيعة التي رسخت فيها.

ولما وقفا بإزائنا، كان هذا الصغير يقلب في وجوه الناس نظرات يتيمة ترتد علي قلبه آلاما لا رحمة فيها، إذ يشهد وجوها كثيرة ليس لها ذلك الشكل الإنساني المحبوب الذي لا يعرفه الطفل من كل خلق الله إلا في اثنين أمة وأبيه، ولما رأيتُ الطفلين ضممتهما إلي و ألهيتهما عن كآبة القلب بسرور البطن فدفنت كل آلامها في بعض قطع الحلواء فطعما واستضحكا ، وتطلعا لحياة جديدة آمنة .

وبينما نحن علي ذلك، إذ ارتفع سواد مقبل كأنة روح ليلة مظلمة تغشي الطريق، فتبينت فإذا امرأة تهفوا كذات الجناحين، وكأنها تنساق بقوة تحترق في داخلها، ثم أخذتنا عيناها فإذا هي أم الطفلتين، تبدو من لهفتها واستطارتها لولديها، كأنما تحاول أن تختطفهما من بعيد بقوة قلبها، وما عرفت أنها هي إلا بأن روحها كانت منتشرة علي وجهها، ملموسة في نظراتها إلي الصغيرين وكانت لها هيئة أم وُضِعَت الجنةُ تحت قدميها.

وهل الطفلان لما أبصر أمهما، ونفضا أيديهما نفض الأجنحة، ثم أكبت هي غليهما بجسمها، ومدامعها، وقبلاتها، والتحما بها التحام الجزء بكله واشتبكت الأذرع في الأذرع حتى لا تفرق بين ثلاثتهم في معاني الحب إلا بالكبر والصغر، ورجعت معها طفلة كان تاريخها ابتدأ جديدا في ساعة من الساعات الفاصلة التي يتحول عندها التاريخ".

ahmed_mido غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مصطفى, الرافعى, الصغيران, تابع, روائع


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من روائع مصطفى الرافعى ahmed_mido قسم الأقوال والحكم 3 01-29-2023 08:59 AM
دعاء رائع للمنشد المتالق مصطفى العزاوى ابن التفاح قسم الصوتيات والمرئيات 3 01-06-2010 07:57 PM


الساعة الآن 03:08 AM بتوقيت مسقط


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
:: جميع الحقوق محفوظة لمنتديات لغاتى التعليمية ::